حين نُسج تاريخ العراق الحديث بخيوط الدم والتقلبات والانقلابات، كان اسم عبد السلام عارف دائمًا حاضرًا. لا بصفته مجرد قائد عسكري أو رئيس جمهورية، بل كرمز لمرحلة اتسمت بالحلم القومي الكبير، والتحديات العنيفة، والانقسامات العميقة. فمن هو عبد السلام عارف؟ ولماذا يختلف حوله الناس بين من يراه بطلًا قوميًا، ومن يراه حاكمًا تقليديًا أضاع فرصًا تاريخية؟ عبد السلام عارف لم يكن سياسيًا هادئًا، بل عُرف بعصبيته وحماسته القومية الجارفة. كان صوتًا صاخبًا في ثورة 14 تموز 1958، بل هو من أعلن بيان الثورة بنفسه عبر إذاعة بغداد، وأشعل قلوب الناس بكلماته النارية ضد الملكية والاحتلال. لكنه لم يلبث أن دخل في صراع دموي مع رفيقه عبد الكريم قاسم، عندما شعر أن حلم الوحدة العربية يتلاشى، فاختار المواجهة والنفي بدل الصمت والانحناء. عندما أصبح عبد السلام عارف رئيسًا بعد انقلاب 1963، حمل على عاتقه فكرة واضحة: إعادة العراق إلى حضن الأمة العربية. سعى عبد السلام بجدية لإحياء مشروع الوحدة، وتم توقيع اتفاقية للوحدة الثلاثية (مصر، العراق، سوريا) عام 1964، رغم أنها لم ترَ النور، لكنها أظهرت صدقه في الحلم القومي. كما اتخذ خطوات حاسمة ضد التغلغل الشيوعي الذي كاد يُغرق العراق في بحر من الفوضى الأيديولوجية، وكان يرى أن الشيوعية تخالف روح المجتمع العراقي المحافظ. وأمم بعض المصانع والمؤسسات الكبرى، وطرح مشاريع للإصلاح الزراعي، محاولًا خلق اقتصاد وطني مستقل، بعيدًا عن النفوذ الأجنبي. أما على المستوى الشخصي، فكان يعيش حياة متواضعة، بعيدًا عن مظاهر الترف، ورفض أن يُبنى له قصر رئاسي فاخر، مما جعله قريبًا من طبقات الشعب الفقيرة. لكن الحقيقة أن الحماسة وحدها لا تبني دولة. وفترة حكم عبد السلام عارف لم تكن مثالية، بل شابتها أخطاء فادحة. لم يكن يمتلك فريقًا إداريًا محترفًا، واعتمد في كثير من قراراته على العاطفة والقناعات الشخصية، مما جعل بعض قراراته غير مدروسة. ورغم كل الحماس، لم تتحقق الوحدة العربية، وظلت مجرد اتفاقيات على الورق. بل إن العراق دخل في نزاعات داخلية زادت من الانقسام بدلًا من التوحيد. وكبقية قادة تلك الحقبة، جعل عبد السلام الجيش هو الحاكم الفعلي، مما عرقل تطور الحياة المدنية والديمقراطية. كما شهدت فترته اعتقالات ومطاردات سياسية، خاصة للشيوعيين والمعارضين، وكان الصوت المعارض يُعامل كتهديد لا كاختلاف في الرأي. في عام 1966، سقطت طائرة عبد السلام عارف في ظروف وصفت بأنها “غامضة”، وما زالت علامات الاستفهام تحيط بوفاته حتى اليوم. رحيله لم يكن مجرد حادث طيران، بل نهاية فصل من فصول الحلم العربي الكبير، الذي مات قبل أن يولد. عبد السلام عارف لم يكن ملاكًا، ولم يكن شيطانًا. كان رجلًا يؤمن بشيء، وسعى لتحقيقه وسط عواصف السياسة، وألغام الطائفية، وحروب المصالح. ربما فشل، لكن في زمن كثرت فيه الوجوه الباهتة، يبقى عبد السلام عارف وجهًا لا يُنسى… لأنه على الأقل، حاول كل الصور والكتابات بقناة التلي الي بالبايو #عبد_السلام_عارف #العراق #عبد_الكريم_قاسم - @j7m.0