@j7m.0: في قرية أم فرس، إحدى قرى ميسان الجنوبية، ولد جبار محيبس البدري وسط بيئة يملؤها الفقر والحرمان، في عالم لم يكن يرحم أحلام الأطفال. كان منذ صغره يحمل على كتفيه تعب الكبار، يذهب كل يوم جمعة ليعمل مع العمال في سوق المدينة كي يجمع مصروف المدرسة. لم تكن الحياة ترحم، لكنه كان يرمق البعيد، حيث الفن والمسرح والشعر، كأنه يعلم منذ البداية أن قلبه ليس للتراب فقط، بل للسماء أيضًا. درس في مدرسة المزبانية، المصنوعة من القصب، حيث كان يقف على سقفها ويردد الأهازيج التي سمعها من أبيه، كأن الشعر كان يغمره قبل أن يتعلم هجاء الكلمات. لكن الفقد لا يمهل الحالمين طويلاً، ففي 1969 رحلت أمه، فانكسر شيء داخله، وهاجر إلى بغداد محمّلاً بالخسارات. هناك، أكمل دراسته في مدرسة ذات الصواري ثم ثانوية الإخوة، وسلك طريقًا لم يكن معبّداً، لكنه لم يخف. دخل كلية الفنون الجميلة، وتخصص في الفنون المسرحية، وهناك بدأ التحوّل؛ لم يعد ذلك الطفل الجنوبي الحالم فقط، بل صار فنانًا ثائرًا، يحمل في عينيه غضب المدن المنسية، ويصوغ بالمسرح والشعر وجع الناس وحنينهم، وبدأ يُعرف ككاتب ومخرج لا يهادن، كأن كل مسرحية يخرجها كانت مرآةً لبلد جريح. كانت أعماله تصفع الواقع، تقتحم المحرّم، وتتحدى الخوف. كتب “سراقب” ليحاكي واقع الشرق الأوسط المضطرب، وأعاد تقديم “الأم شجاعة” لكن بطابع شعبي محلي يُشبه العراق في الحروب والانتظار، أما مسرحيته عن محمد صادق الصدر فقد أثارت ضجة كبيرة، حين قرر أن يُعرِّي واقعًا سياسيًا معقّدًا أمام جمهور المسرح الوطني وساحات بغداد. ومع كل عمل كان يزداد استهدافه. مُنعت بعض نصوصه، وتعرض للسجن والملاحقة، لكنه لم يرفع الراية البيضاء، بل قال: “أنا شهيد قضيتي، شهيد أحلامي، شهيد كفاحي… ولن أستسلم حتى النهاية.” كان يرى نفسه ضحيةً لمجتمع لا يعرف كيف يعانق الحالمين، لكنه ظل يقاتل بفنه، وكأن كل مسرحية أو قصيدة كانت آخر ما يملك. الحب كان له فصلٌ خاص في حياته. أحب امرأة مثل القصيدة، ممثلة شاركته العرض المسرحي “الأم شجاعة”، لكنه اختار ألا يلتقيا على أرض واحدة، لأنه كان يراها حلمًا لا يصل إليه، وقال: “لا يمكن أن نلتقي على نفس الأرض… هي أسطورة لا أستطيع نسيانها.” مثلما لم ينسَ أصدقاءه الذين رحلوا واحدًا تلو الآخر، كريم الزبيدي الذي مات في “الأرض الحرام”، ومحمد الغريب الذي كتب له قصيدة “ليش من دق الجرس”، وطالب السوداني الذي مات وحيدًا كأنه سطر من قصيدة بلا عنوان. أما إرثه، فبقي ينهض رغم الغبار: قصائد مثل “لا تعلقون برقبتي السلسلة” و”يا ثوب صبرك علي”، صارت تُتداول كأنها أناشيد سرية لفقراء المدن، ومسرحياته التي انتقدت الفساد والاستبداد أصبحت مرجعًا لكل من أراد أن يعرف كيف يُمكن للفن أن يُقاتل. حتى طلابه، الذين علّمهم كيف يواجهون الحياة بأعمالهم، صاروا اليوم فنانين معروفين، مثل آلاء حسين التي كانت واحدة من أخلص تلاميذه. ورغم كل ما خسره، بقي يؤمن أن الحياة لا تنتهي عند الضربة الأولى، وأن الخسارات لا تمنع النهوض من جديد. قال في النهاية: “الحياة محاولة متجددة… يمكننا أن نبدأ من جديد.” وكأنه يكتب لنفسه وصية أخيرة، ليس فيها حزن، بل نوع من الإصرار العنيد على البقاء، حتى لو لم يبقَ من حوله أحد. جبار محيبس لم يكن شاعرًا أو مخرجًا فحسب، كان رجلاً يشبه الليل العراقي، ثقيلاً بالوجع، لكنك لا تستطيع إلا أن تحبه. قناتي التلي بل وصف بيها كل الصور والكتابات يوزرها jnral _7 #جبار_محيبس #شعر_شعبي #شعر_عراقي #عراق