@1i._gg: بالساعـة السادسة وربع مساءً وما زال العقل في صراعٍ مع ضجيجه تابعتُ رحلتي بصمتٍ داخل سيارة الأجرة التي أصبحت تشبه زنزانة متنقلة الزجاج مغلق كي لا يدخل الغبار لكنّه لم يمنع عني رؤية بغداد وهي تتألم مررنا بحيّ شعبي كان هناك شيخٌ كبير السن يجلس أمام دكّان صغير وجهه مليء بالتجاعيد كأنها خريطة سنواتٍ قضيت في القتال والخسارات كان يبيع السكاكر للأطفال لكن لا أحد يشتري الأطفال مشغولون إما بالتسوّل أو بحمل صناديق الكعك حتى طفولتهم لم تسلم من الخصخصة في الزاوية رأيت امرأة ترتدي عباءة سوداء تحمل طفلاً نائماً على صدرها وتمد يدها للعابرين كانت النظرات تتجاهلها كأنها هواء وأنا أفكّر كم عدد القصص التي تُدفن يومياً في أرصفة هذا الوطن دون ضجيج؟ تابعنا السير السائق بدأ يشتم الحكومة ثم قطع عليه الراديو صوت قارئ يتلو آية: “وما ربك بغافلٍ عمّا يعمل الظالمون” فضحك وقال: حتى الراديو يعاتبني في الإشارة التالية شابٌ يقف يبيع العلكة، وعلى يده وشم حرية سألته كم تربح باليوم؟ قال لي أحياناً عشرة آلاف وأحياناً ولا فلس بس المهم أرجع للبيت وأنا عايش ابتسم ومضى وحين اقتربنا من الجسر كان هناك شاب آخر يجلس على طرف الرصيف يرتدي زيّ التخرج الجامعي وفي حضنه ملف أوراقه وفي عينيه سؤال واحد ليش؟ كأنه ينتظر وظيفة لن تأتي أو معجزة في بلدٍ أُغلقت فيه أبواب السماء بسبب كثرة الدعاء نظرت إلى المدينة فوجدتها تعباً ممدداً على سرير الانتظار أهلها يمشون فوق الشوك بأقدامٍ حافية ويحملون على أكتافهم وطنًا يتقن ثقافة الصمت لكن رغم كل شيء كان هناك بائع وردٍ صغير يعرض وردة بلونٍ أحمر كأنه يقول لنا رغم الخراب لا زال في القلب حيّزٌ للجمال انتهت رحلتي عند الحاجز الأمني وحين نزلت نظرتُ إلى السماء ثم تمتمت في بغداد كل شيء يُشبه الشعر إلا الحياة . #مقـتطـفات_حسن_عواد