@charbelelghawi: الوداع الأصعب… فيروز على قبر زياد ما أقسى الغياب حين يُقصي الأحبّة عنّا فجأة، ويترك في القلب رجفة لا يسعها النسيان… ما أقسى أن أفتح عينيّ فلا أراك، لا في الزاوية التي اعتدت أن تجلس فيها، ولا في الممرّ الذي كنت تمرّ فيه وتترك عطرك عالقًا على الحائط. رحلتَ يا زياد… وانكسر شيءٌ لا يُرمَّم في قلب الأم، في قلب فيروز التي غنّت للبدايات، ولم تعرف أنّ أقسى الأغاني هي تلك التي لا تُغنّى… بل تُبكى. لم يكن فنجان القهوة صباحًا مجرّد عادة… كان موعدًا بين قلبين يعرفان العناد ويجهلان الخذلان. كان يسألني كلّ صباح: “قهوة ولا مزاج؟” وأجيبه: “قهوة بطعمك”. واليوم… القهوة مُرّة، والمزاج غائب، وأنت… لا تجيب. كيف يُمكن أن أعتاد الحياة بعدك؟ وأنا التي اعتدت كلّ شيء إلّا غيابك. كنتَ مشاكسًا كالحقيقة، عنيدًا كالموهبة، صاخبًا كالحبّ، لكنّك كنتَ لي… كنتَ ظلّي حين تخذلني الأيام، وطفلي حين يتنكّر لك الجميع، وندمي حين أغضب، وأماني حين أصمت. لم تكن فقط ابني، بل كنت امتدادي الصاخب… كنت الحرف الذي ما عرف الهجاء، فاخترع لحنًا من الغضب، والركن الذي احتميتُ به حين ضاق الفنّ من الزيف، وضاق العمر من الصمت. كنت الصدق حين خرس الجميع، والحبّ حين تبدّد في الشوارع. كيف تمضي يا بنيّ، وتتركني أمام المذياع أبحث عن صوتك بين الأغنيات؟ كيف تتركني وحيدة… وأنا التي منحت للعزلة اسمًا آخر: زياد؟ قالوا إنّ الأمهات لا يدفنّ أبناءهنّ… بل يُدفَن شيءٌ منهنّ معهم. وأنا اليوم، لا أدفنك… بل أدفن صوتي، وأحزاني، وأناشيدي القديمة، وكلّ ما ظننته أبقى من الغياب. لا كلمات في وداعك يا بنيّ… فالفصاحة تتلعثم، والبلاغة تنهار، وحتى أغنياتي تصمت خجلًا أمام قسوة هذا الفقد. يا زياد، لستَ صفحةً تُطوى، ولا ذكرى تُعلّق على جدار… أنت الحبر الذي كتبتُ به عمري، أنت اللحن الذي لا ينتهي، أنت الغصّة التي لا تُشفى، أنت المقطع الناقص في نشيد الوطن، والنغمة الوحيدة التي لا يُمكن عزفها مرّتين. سلامٌ عليك يا وجعي، يا ابني الذي لم يُشبِعني حُبًّا، ولم يُشبعني وداعًا… يا حبيبًا مضى، وترك خلفه قلبًا لا ينفكّ يناديه… الناقد السينمائي شربل الغاوي.
