@el.p128: "يا نفس، أما آنَ لكِ أن تستفيقي؟ أما علمتِ أنّ الدنيا ظلّ عابر، وأنّ البكاء عليها لا يزيدها إلا فناء؟ إنّكِ تطلبين الراحة فيما لا يُبقي لكِ راحة، وتفتشين عن السلام في دارٍ ما عُرفت يومًا بالسلام." النفس بطبعها ضعيفة، تركض خلف الدنيا تركض وراء السراب، تظن أنّ اللذّة في كثرة المال، وأنّ السعادة في زخرفة القصور، وأنّ العزّ في لبس الثياب الفاخرة، وركوب المراكب الغالية. لكنها حين تمرّ عليها الأيام، وتدور بها رحى السنين، تدرك أنّ كل ذلك ظلّ زائل، وبريق خادع، وأنّ ما كانت تحسبه راحة صار شقاء، وما حسبته سعادة صار وبالًا. فكم من غنيّ عاش مغمورًا بأمواله، لكنه كان فقيرًا في قلبه، مضطربًا في داخله، لا يعرف طعم الطمأنينة ساعة واحدة. وكم من فقير قنع بالقليل، فنام هانئ البال، مطمئن القلب، غارقًا في سلام لا يعرفه أهل القصور. السلام الحقّ ليس بكثرة ما نملك، ولا بعظمة ما نظهر به أمام الناس، وإنما في صفاء الروح وصدق التوجّه، وفي الرضا بما قسم الله لنا. فالدنيا لا تدوم لأحد، تتقلب بأهلها صباحًا ومساءً، يومًا تعطي ويومًا تأخذ، يومًا ترفع ويومًا تضع. وقد جرّبها الأوائل من قبلنا، فتركوا لنا الحكم والعِبر، قالوا: "الدنيا جيفة، وطلابها كلاب"، وقالوا: "من رضي بالقليل استغنى"، وقالوا: "ما نفعك اليوم إلا ما قدّمت أمس". فلماذا تبكي النفس على دنيا تعلم أنّها فانية؟ ولماذا تحزن على متاع سيُترك يومًا بلا رجعة؟ إنّ السلام الذي يبحث عنه كل إنسان، لن يناله إلا إذا ترك التعلّق بما فيها، وزهد في ما يشغل قلبه عن خالقه، وعرف أن السعادة ليست في الجمع، بل في القناعة، وليست في الأخذ، بل في العطاء، وليست في التعلّق بما يزول، بل في التمسك بما يبقى. حينها فقط، يعيش المرء مطمئنًا، لا يخاف فوات الرزق، ولا يحزن على ما ضاع منه، لأنه أدرك أنّ كل شيء مكتوب، وأن ما عند الله خير وأبقى. فسلام النفس يبدأ من ترك ما لا يعنيها، ومن التحرر من قيود الطمع، ومن فهم أن العيش الحقيقي هو عيش القلب، لا عيش الجسد، وأنّ أعظم ما يحمله المرء في رحلته الأخيرة ليس ذهبًا ولا فضة، بل قلبًا سليمًا وعملًا صالحًا..#اقوال #وعي #حكم #fyp