إنّ من تمام الأدب مع الله أن ترضى بحكمه رِضى الموقن بحكمته، وتقرّ بما جنت يداك إقرار العبد الذي علم قدر نفسه، وتستشعر الذنب حتى يكلّ منك الجسد، وتنهّد النفس من ثِقَل الاعتراف، كأنها تُكفّر عمّا خالطها من خطيئة. فالنار حقّ، والجنة حقّ، والجزاء عدلٌ من لدن ربٍّ لا يظلم مثقال ذرّة. ما نال عبدٌ خيرًا إلا بما قدّم، ولا أُصيب بشرٍّ إلا بما كسبت يداه، وما ربّك بظلّامٍ للعبيد. ومن عظيم عدله سبحانه أنّه خلق الإنسان مختارًا، لا مكرها ولا مسلوب الإرادة، بيّن له السبيلين، وأراه النور والظلمة، وقال له: اختر. فمن شاء الهدى سلك سبيله فصلّى وعمل صالحًا، ومن آثر الغيَّ والهوى ركن إلى فسقه وضلّ سعيه، فباء بالخسران المبين. وإنّ لحكم الله سطوةً لا تُرد، وإنّ لأمره هيبةً لا تُعارض، فلا حاكم فوق حكمه، ولا قضاء بعد قضائه، إن قال كن، كان، وإن قضى أمضى، لا مبدّل لكلماته ولا معقّب لحكمه. هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤًا أحد. كفر من زعم له ولدًا، وضَلّ من قال إنّه ثالث ثلاثة، وتعالى عمّا يقولون علوًّا كبيرًا. فسبحان من تنزّه عن الشبيه والنظير، وتفرّد بالكمال والقدرة والتقدير. وإنّي لأشهد أنّ الخوف منه حياة، وأنّ الرهبة من عذابه رحمة، فما رقّ قلبٌ لذكره إلا أضاء الله له بصيرة، وما استشعر العبد ذنبه إلا تطهّر من غفلته. يا للعجب من أقوامٍ نسوا ربّهم فأنساهم أنفسهم، نسوا الموتَ وقدرته، والبعثَ وحتمه، والحسابَ وعدله، والقيامةَ وأهوالها، كأنهم خُلقوا عبثًا ولن يُرجعوا إلى ربهم. طوبى لمن زهد في الدنيا وزخرفها، واشتغل بالعمل الصالح، وأعرض عن الكبائر والذنوب. وويلٌ لقومٍ قالوا في الله ما لا يليق، وسبّوا رسول الله ﷺ، واتّهموا أمّ المؤمنين بالفاحشة، وما علموا أنهم بذلك قد خسروا دنياهم وآخرتهم. قست قلوبهم حتى صارت حجارةً أو أشدّ قسوة، فلا خشوعَ في صلاةٍ، ولا دمعةَ في توبة، ولا نورَ في بصيرة، ولا حياةَ في ضمير. ما أجرأ ألسنةً تتطاول على مقام النبوّة! ما أجهل قلوبًا تتندّر بالدين في المجالس، وتُدخله في لهوٍ دنيءٍ لا يُرضي خالقًا ولا عقلًا. إنّ الكلمة لتُهلك قائلها، وإنّ السكوت عنها ليكون نجاةً له. وربّ كلمةٍ أغلقت باب الرحمة، وربّ صمتٍ فتح أبوابها. فاحفظوا ألسنتكم عن الخوض فيما لا تعلمون، ولا تُجادلوا في دين الله بالجهل والهوى، فإنّ القول في الدين بغير علمٍ من أعظم الكبائر، وقد يُلقي صاحبه في مهاوي الردى. واعجباه! كيف يرى الإنسان الجبالَ الشامخة فلا يخشع؟ كيف يبصر الغيومَ الموقّرة والنجومَ الزاهرة، ثم لا تزلزل قلبه هيبةُ من خلقها؟ والله لقد وقفتُ يومًا أنظر إلى الجبال، فأخذتني رهبةٌ لم أذق مثلها قط، كأنّ صمتها يُحدّثني عن خالقها، وكأنّ سكونها يُنذرني بعظمته. مكثت ساعةً أحدّق في قممها حتى ضاق صدري، فارتعدت أوصالي، وانكمشت نفسي كما ينكمش الطفل في مهده حين يفزعه البرد، وأخذت أقول في داخلي: يا عجبًا! كم نظرتُ إلى هذه الأكوان ومررتُ بها مرور الغافلين، لا أتفكّر ولا أتعجّب، كأنّ عيني عميت عن الجلال المحيط بي. حينها غلبني البكاء حتى سالت دموعي على الثرى، وشعرت أني أُولد من جديد، إذ مسّ الإيمان قلبي مسًّا لا وصف له. تذكّرت قول الله تعالى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾، فوقفت مأخوذًا من المعنى. إنّ هذا الكرسيّ — الذي هو دون العرش — قد وسع السماوات السبع والأرضين السبع، فكيف بعظمة العرش! وكيف بعظمة من استوى عليه سبحانه! إنّ العقل ليذهل من سعة ملكه، وإنّ القلب ليذوب خشوعًا عند تأمل قدرته، وإنّ اللسان ليخرس هيبةً من ذكره. يا أيها الإنسان، إنّ طبعك الطمع، وجِبِلّتك الجشع، ترى باب الكريم مفتوحًا فلا تقصده، وتطرق باب اللئيم المغلق ترجوه، وتنسى أن ربّك أكرم الأكرمين، بيده خزائن السماوات والأرض، لا تنفد رحمته، ولا يُغلق بابه، ولا يُردّ من قصده. فارجع إلى الله بقلبٍ منكسر، ولسانٍ ذاكر، وعقلٍ متفكّر، لعلّ رحمته تُدركك قبل أن يدركك الحساب.#tiktok #fypシ #فصحى #fyp #شعر - @.no7e