الشاعر نجم عبد العال.. ربما لا يعرفه أحد منكم، لذا دعوني أقدّمه لكم باختصار: هو كاتب أغنية “ينادي هاجس بروحي” التي غنّاها الفنان كريم منصور، وهو أيضًا نجل الشاعر عبد العال المعروف على مستوى الوطن العربي، وصاحب الدواوين الشعرية التي تملأ رفوف المكتبات. عائلتهم معروفة ولها مكانتها المحترمة في محافظة ميسان. نجم أحبّ فتاة، ولكن شاءت الأقدار أن تتزوج من غيره. خسرها، ومنذ لحظة زواجها عاش أسوأ أيام حياته، حتى فقد صوابه تقريبًا. تخلّى عن كل ما يملكه، من أملاكٍ ومكانةٍ اجتماعية وشعرية، وقرّر أن يعيش على الأرصفة. صباح اليوم، كنتُ في أحد الأسواق الشعبية العشوائية في محافظة ميسان لإنجاز عملٍ ما. وبينما كنتُ أسير في السوق، سمعتُ صاحب البقالة يتحدث إلى صديقه قائلاً: “أي، هذا هو عبد العال.” فأدركت على الفور من يقصد، وبدأت أبحث عنه. رأيته جالسًا على الرصيف خلف أحد البسطات في علوة الطحين، وكان منظره يحطّم القلب، لا لأنه “نجم عبد العال” فحسب، بل لأنّ أي إنسانٍ لو رآه بهذا الحال، لشعر بالألم. وجهه الحزين، وطريقة تدخينه للسيجارة، وهيئته، وملابسه الرثّة، ووجوده وسط سوقٍ عشوائي تفوح منه رائحة الطعام العفن والقمامة، كلّ ذلك كان مشهدًا يصعب وصفه. حاولت أن أقترب منه، لكنني تراجعت؛ خوفًا عليه، أو خوفًا من ردّة فعله تجاهي. جلستُ على مقعدٍ قريب، أراقبه، وهو أمامي، وبقيت لأكثر من عشر دقائق أتابعه وهو سارح في عالمه، يدخّن بصمت. ثم قررت أن أُلقي عليه السلام وأتابع طريقي. سلّمت عليه، فرفع رأسه ونظر إليّ، دون أن ينطق بكلمة. تحركتُ قليلًا، وإذا بي أسمعه يقول بصوتٍ خافت: “إلّا أظفر گصايبْتها.” فشعرتُ بشعورٍ غريبٍ جدًا… كيف، رغم هذا الجنون، لم ينسها؟ بل لا يزال يتمناها؟ تمتمتُ: “الحمد لله”، ومضيت في طريقي.. أنا من أولئك الذين يهتمّون بالتفاصيل العظيمة التي يراها الآخرون شيئًا تافهًا، أو يظنونها مجرد جنونٍ لرجلٍ يسكن الرصيف. بعد هذا الموقف، أدركتُ كم هو عظيمٌ الحب، وكم هو جميل، وكم هو صعبٌ ومؤلم. الحبّ يستطيع أن يهدم جبلًا مثل نجم عبد العال، ويجعله يفترش الأرض.. لكنه، في الوقت ذاته، قد يعيد بناءه جبلًا. “الحبّ حياةٌ لِمَن يُحبّ.” وهذا يُذكرني ببيتٍ من شعر “قيس بن الملوّح” يقول فيه: صريعٌ من الحبّ المُبرّحِ والهوى وأيُّ فتىً من عِلّةِ الحُبّ يَسْلمُ؟! ( مرفق الفيديو من شخص آخر ..؟ ) - @a_hm065